قراءة في رواية اللص والكـلاب لنجيب محفوظ

قراءة في رواية اللص والكلاب

قراءة في رواية اللص والكـلاب لنجيب محفوظ


⏪ المتن الحكائي

 الفصل 1:
- خروج سعيد مھران من السجن بعد أربع سنوات قضاھا فيه .
- توجه سعيد مھران إلى الحي الذي كان يقطنه .
- اجتماع سعيد بعليش وبحضور المخبر وبعض الجيران لمناقشة مطالبته بابنته وماله وكتبه . 
- عليش ينكر وجود المال ويرفض تسليم البنت بدون محكمة ويعطيه ما تبقى من الكتب .
الفصل 2:
- توجه سعيد مھران نحو طريق الجبل حيث الشيخ صديق والده .
- محاولة الشيخ التركيز في حواره على القيم الروحية المبنية على الإيمان ،وتشبث سعيد بقرار الانتقام من زوجته الخائنة ،وعليش الغادر . 
- قضاء سعيد أول ليلته في ضيافة الشيخ علي جنيدي .
الفصل 3: 
- توجه سعيد إلى مقر جريدة "الزھرة" وفشله في لقاء صديق الطفولة الصحفي رؤوف .
- توجه سعيد إلى مسكن رؤوف حيث تم اللقاء وتبادل ذكريات الماضي على مائدة الطعام .
- انزعاج رؤوف من تلميحات سعيد التي تنتقد ما عليه من جاه ومكانة اجتماعية . 
- انتھاء اللقاء بتأكيد رؤوف على أنه آخر لقاء له مع سعيد .
الفصل 4: 
- استرجاع سعيد شريط الخيانة التي تلقاھا من أقرب الناس إليه : 
- عليش: صبيه الذي بلغ عنه الشرطة للتخلص منه والانفراد بغنيمة الزوجة والمال .
- نبوية : الزوجة التي خانته بتواطؤمع صبيه عليش .
- رؤوف : الانتھازي الذي زرع فيه مبادئ التمرد وتنكر ھو لھا .
- اتخاذ سعيد قرار الانتقام والبداية برؤوف كأقرب فرصة مناسبة .
- محاولة سطوه على بيت رؤوف الذي كان يتوقع عودته ونصب له كمينا أوقع به ليطرده من البيت خائبا.
الفصل 5: 
- توجه سعيد إلى المقھى حيث يتجمع أصدقاء الأمس .
- إحضار صاحب المقھى " طرزان" المسدس الذي طلبه سعيد .
- التقاء سعيد بنور التي خططت معه للتغرير بأحد زبائنھا وسرقة سيارته. 
الفصل 6:
- نجاح الخطة التي رسمتھا نور للإيقاع بغريمھا (ھانئ ابن صاحب مصنع)مكن سعيد من السطو على السيارة والنقود التي كانت بحوزته .
الفصل 7:
- عزم سعيد على الانتقام من الخونة على التوالي .
- البداية بمنزل عليش الذي اقتحمه ليلا و باغث صاحبه بطلقة نارية أردته قتيلا . 
- تغاضيه عن الزوجة لرعاية ابنته سناء . 
- ھروب سعيد من مسرح الجريمة بعدما تأكد من نجاح مھمته .
الفصل 8: 
- لجوء سعيد إلى بيت الشيخ رجب فجرا وخلوده لنوم عميق امتد حتى العصر . 
- استيقاظ سعيد على حلم مزعج يتداخل فيه الواقع بالخيال . 
- انتشار خبر وقوع جريمة ضحيتھا رجل بريء يدعى شعبان حسين .
- انزعاج سعيد من فشل محاولته ،وتأسفه على قتل الضحية البريئة .
- عزم سعيد الھروب إلى الجبل تفادي لمطاردة الشرطة .
الفصل 9:
- تسلل سعيد ليلا متوجھا إلى شقة نور . 
- استحسان سعيد مكان اقامة نور المناسب لاختفائه عن مطاردة الشرطة . 
- ترحيب نور برغبة سعيد في الإقامة عندھا مدة طويلة .
الفصل 10: 
- ارتياح سعيد بإقامته في بيت نور . 
- استرجاعه ذكريات تعرفه على نبوية وزواجھما الذي اثمر البنت سناء . 
- التوقف عند غدر عليش وخيانة نبوية .
- عودة نور محملة بالطعام والجرائد التي لا زالت مھتمة بتفاصيل جريمة سعيد مع اسھاب رؤوف في تھويل وتضخيم صورة سعيد المجرم الذي تحول إلى سفاك الدماء . 
- طلب سعيد من نور شراء قماش يناسب بذلة ضابط.
الفصل 11: 
- استرجاع سعيد تفاصيل طفولته المتواضعة مع والده البواب عم مھران .
- تأثرسعيد بتربية الشيخ علي الجنيدي الروحية . 
- اعجاب سعيد بشھامة رؤوف الذي زرع فيه مبادئ التمرد وشجعه على سرقة الأغنياء كحق مشروع .
- رجوع نور للبيت منھكة من ضرب مبرح تلقته من بعض زبنائھا، ومحاولة سعيد الرفع من معنوياتھا المنھارة .
الفصل 12: 
- انتھاء سعيد من خياطة بذلة الضابط . 
- تخوف نور من ضياع سعيد مرة أخرى مع اھتمام الصحافة بجريمته مما يزيد من تشديد الخناق عليه. 
- ذھاب سعيد إلى المقھى حيث حذره طرزان من التردد عليھا لكونھا تخضع لمراقبة المخبرين . 
- استرجاع سعيد علاقته برؤوف الذي خان المبادئ وغدر بسعيد مما جعل قتله أمرا واجبا بالنسبة له . 
- عودة نور ودخولھا في سجال مع سعيد حول ماضيھا وحياتھا الخاصة. 
الفصل 13: 
- زيارة سعيد لطرزان الذي اخبره بتواجد المعلم بياضة لعقد صفقة . 
- اعتراض سعيد المعلم بياضة لمعرفة مكان عليش . 
- إطلاق سراح المعلم بياضة بعد الفشل في جمع معلومات منه تفيد في معرفة مكان عليش . 
- تغيير سعيد وجھة الانتقام إلى رؤوف 
الفصل 14: 
- ارتداء سعيد بذلة الضابط التنكرية والتوجه نحو بيت رءوف . 
- مباغتة سعيد لرؤوف وھو يھم بالخروج من السيارة . 
- فرار سعيد بعد تبادل إطلاق النار مع عناصر الشرطة . 
- عودة نور للبيت وھي متخوفة من ضياع سعيد بعد تداول خبر تعرض رؤوف لمحاولة اغتيال فاشلة .
الفصل 15: 
- أخبار الجرائد تعلن إخفاق سعيد في قتل رءوف وسقط البواب ضحية جديدة لخطأ سعيد . 
- خيبة أمل سعيد جعلته يصر معاودة المحاولة مھما كلفه ذلك من ثمن . 
- عودة نور إلى البيت معاتبة سعيد على استھتاره وجريه وراء الھلاك.
الفصل 16: 
- انزعاج سعيد من غياب نور المفاجئ .
- توجه سعيد إلى طرزان الذي زوده بالأكل وحذره من المخبرين .
- تخلص سعيد من مخبرين اعترضا طريقه . 
- افتقاد سعيد لنور جعله يحس بفراغ روحي . 
الفصل 17: 
- غياب نور وقدوم صاحبة البيت تھدد بالإفراغ جعل سعيد يھرب إلى طريق الجبل عند الشيخ علي . 
- دخول سعيد والشيخ في حوار متعارض بين الجانب الروحي المبني على الإيمان والرغبة في الإنتقام . 
- إصرار سعيد على استعادة بذلة الضابط التي نسيھا في بيت نور .
الفصل 18: 
- استيقاظ سعيد من النوم وتوجھه إلى بيت نور الذي أصبح فيه سكان جدد . 
- الرجوع إلى بيت الشيخ وخلوده لنوم عميق . 
- تطويق الشرطة للحي الجبلي ومحاصرة سعيد بالمقبرة حيث كانت نھايته بعد مقاومة يائسة .
الحبكة:
 خروج مھران من السجن← الرغبة في الانتقام من الخونة ←مطاردة الخونة ←الفشل ←المطاردة المضادة ←الموت 
النتيجة:
 تعاقب الاحداث وفق نظام خطي سببي يعني أن رواية اللص والكلاب خاضعة للكتابة السردية التقليدية .

⏪ القراءة التحليلة

🔺جرد القوى الفعالة
إن الھدف الاساسي من جرد القوى الفاعلة يتمثل في تعرف تراتبيتھا / تنظيمھا الذي تعالج به في النص ، كما يبدو ضروريا الانتباه إلى السمات و الاوصاف المقدمة لكل قوى فاعلة بغية تقويم فاعليتھا التي تجعلھا إيجابية . الحق أن ھناك قوى فاعلة في النص متعددة ومتفاوتة م حيث الأھمية التي يكتسبھا فعلھا في تطوير الأحداث وتناميھا، و من بين ھذه الشخصيات نذكر : 

اولا:القوى الفاعلة الأدمية/الشخصيات:
- سعيد مهران: 
 أبرز شخصيات الرواية، دائم الحضور في جميع فصولھا. شاب ثلاثيني، من أبرز ملامحه : شاب ضائع، تقلبت به الحياة بين الأماكن و الأعمال و العلاقات . لص يمارس السرقة ضد من يعتبرھم من طغاة المجتمع و الوصوليين و الانتھازيين . بسيط و فقير، ابن بواب عمارة الطلبة، مؤمن بالقيم الاشتراكية التي تشبع بھا على يد "صديقه" رؤوف علوان، و التي جعلته يستحل سرقة الأغنياء والإغداق على المحتاجين . متمرد وغاضب من المجتمع، خاصة بعد خروجه من السجن و اكتشافه خيانة زوجه وتلميذه . يعيش أزمة روحية ، بفعل التناقض بين القيم التي يحملھا و يبن الواقع الاجتماعي المزري الذي يعيشه . ينطوي على نزعة إنسانية عميقة 
رؤوف علوان:
كان طالبا ريفيا، تابع دراسته في الحقوق، صديق سعيد مھران وأستاذه، علمه حب الكتاب، وقف جانبه اثر أول سرقة اقترفھا، ساعد مھران على الالتحاق بالمدرسة، سعى الى أن يجعله مكان أبيه في خدمة العمارة، أثر كثيرا في حياة سعيد، كان يرشده الى الأسماء الجديرة بالسرقة، مثقف انتھازي تقلب بين "الإيمان" بالقيم الإشتراكية و الرغبة في حياة اللصوص الأثرياء . أصبح صحفيا ناجحا، و تنكر لمبادئه. ھو أول الكلاب بالنسبة لسعيد، إذ شن عليه حملة شعواء موظفا صحيفته 
- نبوية:
  اسمھا الحقيقي شلبية، يتيمة كانت تشتغل عند عجوز تركية أرستقراطية . كانت تملك جمالا فلاحيا لذيذا . تعرف عليھا سعيد مھران عندما كان يعمل حارسا لبيت الطلبة . أحبھا سعيد مھران بقوة . تزوجھا في ظروف صعبة، و كافح من أجلھا . أنجب منھا ابنتھما " سناء ". خانته عندما دخل السجن، وتزوجت من صبيه عليش .
- عليش سدرة:
معدم فقير . كان صبيا لسعيد مھران . كان سعيد يثق به ثقة عمياء. تزوج بنبوية، بعد دخول سعيد السجن، و استولى على أمواله التي تركھا عند نبوية 
- نور:
عاھرة محترفة . تھيم عشقا بسعيد . تعرف عليھا سعيد بمقھى " طرزان ". آوته بعد خروجه من السجن . كانت تبيع نفسھا لتطعمه . وصفھا سعيد بأنھا ذات قلب رقيق، مفعم بالحرارة و قوة الإصرار .
- الشيخ علي الجنيدي:
 شيخ متصوف منسحب من الدنيا. صديق والد سعيد مھران. لجأ إليه سعيد بعد خروجه من َ السجن، لكن لم يجد عنده إلا الدعوة إلى أن، يتوضأ فغادره . يبرز الأزمة الروحية لدى سعيد مھران .
- طرزان:
صديق قديم، ومعلم المقھى التي تعقد فيھا صفقات الدعارة و جلسات المجون . يحب سعيد، ويخلص له. وفر لسعيد مسدسا يصفي به حسابه مع من خانوه . وفر له معلومات متعلقة بأعدائه . كان ملجأه عند الحاجة .
- سناء:
موضوع صراع بين الأب الطبيعي سعيد مھران و زوج الأم والمحتضن عليش، لم تتعرف على أبيھا، تبدو خائفة مضطربة أثناء اللقاء الذي جمعھا بابيھا الحقيقي سعيد مھران. رمز للبراءة المغتصبة. المعلم بياضة زميل سابق لسعيد وصديق وشريك عليش، خان صديقه الأول، وكاد أن يؤدي ثمن ھذه الخيانة أثناء لقائه بسعيد مھران الباحث عن المكان الجديد الذي استقر به عليش .
ثانيا: المؤسسات: 
تؤثث فضاء الرواية عدة مؤسسات فاعلة في أحداثھا ومؤثرة على شخصياتھا، مع تفاوت في التأثير والحضور، نذكر منھا على سبيل المثال لا الحصر : 
السجن باعتباره أول مكان يؤطر فضاء الرواية، أثناء تواجده به حصلت الخيانة، وتحققت أھداف الانتھازيين، وھناك الصحافة التي أثرت في جھاز الشرطة والرأي العام المنقسم إلى معارض أو مناصر لسعيد مھران، ثم ھناك المدرسة والجامعة التي شكلت نعمة لرؤوف علوان ومصدر وعي شقي لسعيد مھران 
ثالثا:الجمادات:
 كثيرة ومتنوعة بين الحارة والمقھى ومنزل نور و فيلا رؤوف علوان والجبل والمقبرة والشوارع وعمارة سكن الطلبة ورباط الجنيدي، والتي تركت آثارھا القوية أو الضعيفة في نفسيات شخصيات الرواية، فھي تحتضن الذكريات حلوھا ومرھا، لذلك تم استرجاعھا أحيانا، أو محاولة تناسيھا كما ھو الشأن بالنسبة لرؤوف علوان وعليش المتنقل من منزل لاخر خوفا على حياته من انتقام سعيد مھران .
رابعا: القيم والمشاعر:

 تتنوع القيم والمشاعر في الرواية وكل منھا ارتبط بشخصية/ شخصيات معينة. فنجد القناعة والاستسلام للأمر الواقع ويمثلھا علي الجنيدي، والانحراف والخروج عن القوانين، ويتجسد ذلك في شخصية المومس نور والمتاجرين في الممنوعات من ذوي السوابق كطرزان وغيره، ثم الرغبة في الغنى والثراء على حساب القيم الأصلية والانتماء الطبقي، ويبرز ذلك جليا في التسلط الطبقي لرؤوف علوان، في مقابل الالتزام الإيديولوجي والإيمان الصادق بالعنف الثوري المجسد في شخصية سعيد مھران، أما عليش فيمثل أعلى درجات الشخصية الانتھازية التي لم تكتف بسرقة أموال الصديق بل استولت على زوجته وابنته وكل ممتلكاته، مما جعل مسألة الانتقام منه ونبوية تحتل مركز الاھتمام لدى سعيد مھران .

 ولعل أھم الشخصيات التي عاشت عدة مشاعر متناقضة ومتضاربة وجارفة ھي شخصية سعيد مھران، لأنه عاش خيانة مزدوجة، الاولى اجتماعية من زوجته وصديقه عليش، والثانية إيديولوجية ثقافية من طرف أستاذه وموجھه رؤوف علوان، مما جعله يحس بالمھانة والخزي والعار أمام أسرته وأصدقائه وذاته، فقرر الانتقام من جميع الخونة...

🔺الرهن: رهان المحتوى
سعيد مھران راھن على تصفية الحساب مع الاوغاد والسفلة، ثم الفرار لكي تصفو الحياة للأحياء، وتسترد معناھا المفقود، رؤوف علوان اثارة الرأي العام ضد مھران، الشيخ علي الجنيدي ھداية مھران، نور امتلاك قلب مھران، طرزان مساعدة مھران، رھان الخطاب، الاعمال الفردية لا قيمة لھا ما دام ينقصھا التنظيم 
🔺استخلاص البنية
 نركز ھنا على ثلاث بنيات أساسية: التأليف والتنظيم الزمني والتنظيم المكاني . 
➲التأليف
  تتشكل الرواية من ثمانية عشر فصلا، تتبع فيھا الروائي شخصية سعيد مھران المركزية، وتبتدئ الرواية بلحظة خروجه من السجن، وتنتھي بلحظة محاصرته من طرف الكلاب وقوى الأمن والقضاء عليه بالمقبرة. ويمكن قراءة ھذه الرواية باعتبارھا رواية الشخصية المركزية، أو رواية اجتماعية نقدية، فھي تعبير عن اعتراض الفئات الاجتماعية الفقيرة على المظاھر الاجتماعية الفاسدة كالزيف الاجتماعي، والتنكر للمبادئ، واستغلال براءة البسطاء. ما يجمع بين فصول ھذه الرواية ليس ھو وحدة الشخصية المحورية فيھا فحسب، بل أيضا تركيبة التقنيات الروائية المعتمدة فيھا من : استباق و استرجاع و حذف و خلاصة...  
➲التنظيم الزمني

تترك رواية " اللص و الكلاب" في المتلقي انطباعا بكونھا رواية اجتماعية تقدم نموذجا لمعاناة الفئات الفقيرة في المجتمع المصري، لكنك عندما تغوص في أعماقھا تكشف عبقرية نجيب محفوظ، وقدرته على التلاعب بالزمن، فتقف على إبداعه في تحويل الزمن إلى أداة تشخص بقوة أسئلة الفرد في ھذا الزمن القاھر الذي لا ينسجم معه . 

من ھنا فإن الزمن الطبيعي لا يبدو كثير الأھمية في الرواية إذا ما قيس بالزمن النفسي الذي ركزت عليه الرواية و جعلته نافذة تطل من خلالھا دقائق الأمور و جزئياتھا. لقد تميز الروائي في ھذا الجانب المتعلق بالزمن النفسي/ الشخصي، إذ يسكت عن السنوات الطويلة في عالم الواقع، و يقف عند التمفصلات الزمنية في حياة الشخصية حيث نكتشف أن الزمن النفسي مرتبط بالشخصية، لا بالزمن، إذ الذات تتخذ مكان الصدارة، و يفقد الزمن معناه الموضوعي ليصبح منسوجا في خيوط الحياة النفسية .

 يتجلى ھذا الزمن في رواية " اللص و الكلاب" في الأزمة التي يعيشھا سعيد مھران و ما تسببه في نفسه من إحباط و خيبة و عزلة...، لم يكد يتخطى أزمة السجن، حتى وجد نفسه داخل دوامة أزمة جديدة ھي أزمة الخيانة المركبة التي عاشھا مع كل من نبوية و عليش و رؤوف، مما جعل العالم يبدو في عينيه متأزما، متدھورا، أجوف لا روح فيه، ذلك أن جميع القيم التي آمن بھا و ضحى لأجلھا قد لابسھا التحول في ممارسات الخونة، فانقلبت نبوية من محبة إلى خائنة، وعليش من تابع إلى واش، و رؤوف من معلم لقيم الاشتراكية إلى انتھازي و ليبرالي فاسد...

➲التنظيم المكاني
لا يعتمد نجيب محفوظ المكان، في روايته ھاته، إطارا تزيينيا أو تكميليا، يؤثث به فضاء الرواية فحسب، بل يعتمده مكونا أساسيا يبوح بما يفكر فيه الروائي، و يتيح إمكانية الكشف عما تعانيه الشخصية من صنوف الوحدة و الاغتراب و المعاناة. و يمكن كشف ھذا التنظيم في الرواية من خلال الفضاءات التالية :
- فضاء السجن: تفتتح به الرواية، يغادره سعيد مھران بعد أن قضى به أربع سنوات، ھو فضاء عزلة وحصار فيه يفقد الإنسان حريته .
- فضاء عطفة الصيرفي: يحمل إلى البطل مشاعر مزدوجة ومتناقضة، ففيه ألقي القبض عليه نتيجة السرقة. ويحمل إليه كذلك ذكرى جميلة تتصل بزواجه من نبوية ؛ قال: " وقبل ذلك بعام خرجت من العطفة تحمل دقيق العيد والأخرى تتقدمك حاملة سناء في قماطھا، تلك الأيام الرائعة التي لا يدري أحد مدى صدقھا" (اللص والكلاب: 8). 
- فضاء بيت الجنيدي: حيث يقيم الشيخ علي الجنيدي المتصوف صديق والده، يتميز ھذا المكان بالسكينة والاطمئنان والعزلة عن العالم، كما أنه مأوى لا يغلق أبدا، يلجأ إليه البطل في لحظات الشدة لكنه لا يشعره بالراحة، لأن رؤيته تختلف عن رؤية الشيخ . 
- فضاء شقة نور: يكتسي ھذا الفضاء أھمية كبيرة بالنسبة للبطل، وعلى الرغم من أنه لم يكن قادرا حتى على إشعال شمعة فيه خوفا من إثارة انتباه الجيران له، فإنه كان يجد فيه قدرا من الانسانية  التي ھجرت العالم الخارجي، في نور المرأة التي آوته وبادلته مشاعر الصدق والمحبة في أحلك الظروف .
ـ فضاء مقھى طرزان: في ھذا الفضاء كان يحصل سعيد على معلومات عن أعدائه، وفيه حصل على المسدس الذي أھداه له طرزان لينتقم من الخونة .
- فضاء الفيلا التي يقيم فيھا رؤوف علوان: وھو فضاء ينطق بالحياة الجديدة التي انخرط فيھا رؤوف علوان، وينطق بالعھد الجديد، وشعاره الانتھازية والارتداد عن المواقف. 
ـ فضاء المقبرة: يحمل ھذا المكان دلالة الموت، والعزلة والوحدة والاغتراب الذي لا يطاق، فيھا حوصر سعيد وكانت نھايته... 
🔺تحليل الأبعاد في الرواية
➲البعد الاجتماعي: أي دراسة الوقائع الاجتماعية و التاريخية في النص السردي، ذلك أن كل نص ھو جزء من الحياة الاجتماعية و الثقافية، و ھو يرتبط ارتباطا وثيقا بالمجال الاجتماعي التاريخي. 
ويمكن دراسة ھذا المنظور من خلال مستويين : المظاھر الاجتماعية والدلالة الاجتماعية
أ- الظاهر الاجتماعية

 تتكشف العلاقة بين رواية اللص والكلاب و المجتمع من خلال تصويرھا واقعا اجتماعيا متناقضا أفرزته التحولات السياسية في خمسينيات القرن 20 تختصره فئتان، فئة الأغنياء التي يمثلھا رؤوف علوان والتي تمتلك كل شيء، وفئة الفقراء التي يمثلھا سعيد مھران والتي تفتقر لأبسط متطلبات العيش الكريم، وھو تناقض اجتماعي سيؤدي إلى ظھور أمراض اجتماعية خطيرة، كالسرقة التي اعتبرھا سعيد مھران وسيلة لإعادة حق الفقراء، والمتاجرة في المخدرات والتي يمارسھا المعلم طرزان، ناھيك عن الدعارة التي تمارسھا نور ونجيب محفوظ لا يحمل مثل ھذه الشخصيات مسؤولية المسار الذي اتخذته، بل ھو يدين الجھات المسؤولة في الدولة الثورية الحديثة التي استقالت من دورھا الاجتماعي و الانساني وانسحبت إلى الوراء تاركة الفقراء يواجھون مصيرھم ْ الأسَوَد . وتتعمق ھذه التداعيات بممارسات أخرى مثل الخيانة و الانتھازية و النفاق، و قد ذھب ضحيتھا سعيد مھران الذي خرج من السجن ليجد أن زوجه قد تزوجت من صبيه و استولت على ماله و حرمته من ابنته التي لم تتعرف عليه و أنكرته، و أن صديقه و معلمه رؤوف علوان قد تنكر للمبادئ التي علمھا له و أصبح صحفيا انتھازيا و نجما في سماء المجتمع الراقي، متخليا عن مبادئه السابقة ونضالاته السالفة.

ب- الدلالة الاجتماعية

لقد اھتم نجيب محفوظ في عمله ھذا بتقريب الرواية من الحياة الفردية، وتصوير ما تواجھه في واقعھا الاجتماعي من أصناف الانكسار والإحباط، نتيجة الفقر والحرمان وغياب الوعي المحفز على التغيير، في ظل انحياز الدولة للأغنياء و اللصوص و تنكرھا للفقراء والمحرومين . مما حدا بالرواية إلى أن تتضامن مع ھؤلاء المتنكر لھم، ممثلين في سعيد و نور و طرزان ومن على شاكلتھم، وأن تعلي من شأن أخلاقھم و قيمھم المتمثلة في الحب و التضامن و القدرة على التضحية و العطاء، فعند تركيز الرواية، مثلا، على دواخل شخصية سعيد مھران، وإضاءتھا المجال الذي تتحرك ضمنه، فإنھا تعكس طبيعة الرؤية المعبر عنھا في ھذه الرواية : 

 رؤية تنحاز إلى تعرية و انتقاد الفساد الاجتماعي و السياسي المھيمن على المجتمع المصري، خاصة من خلال ملفوظات سعيد و نور، التي تكشف حدة في النقد و مرارة في السخرية من واقع تخشبت فيه القيم، و غيضت العواطف، و غدا الإنسان فيه أسير الوحدة و الاغتراب و الضياع . 

ھكذا يبدو واضحا أن رواية اللص والكلاب رواية نقدية تنتقد وبشدة الواقع الاجتماعي الذي أفرزته الثورة والذي عمق من معاناة الطبقة الفقيرة وزاد من ھمومھا إلى درجة أن أسرا كثيرة قد تفككت علاقاتھا نتيجة الفقر والحاجة، واضطرت إلى بيع شرفھا ومبادئھا أو النضال من أجل تحققھا إلى آخر أنفاس الحياة .

➲البعد النفسي
 يسعى إلى معالجة الجانب العاطفي في النص السردي، بكل مكوناته: مشاعر و أحاسيس وخصائص سيكولوجية، و معطيات فكرية أخلاقية و فلسفية. 

وھذه المعطيات تكون حاضرة في كل نص سردي بكيفية صريحة أو ضمنية . و يتم الكشف عن البعد النفسي وفق الخطوات التالية: الحقل العاطفي / العلاقات والتيمات السيكولوجية / الدلالات و الأبعاد النفسية للنص . 

 وفي رواية " اللص و الكلاب" نكتشف مشاعر و أحاسيس و عواطف متوترة، تكشف عن أزمة الإنسان الذي تتحدث عنه، وقدره في عالم غريب لا يأنس له، و لا يشعر بالاطمئنان فيه. لذلك اختار َ نجيب محفوظ تقنية "رواية الشخصية الواحدة" التي تستكنه الحياة النفسية الداخلية، وتبرز من خلالھا ما يتھدد الإنسان نتيجة الفساد الاجتماعي والسياسي، من أنواع الغربة، و المعاناة و الشك.
أ- الحقل العاطفي
يبدو سعيد مھران في الرواية إنسانا غير متوازن و لا متزن مفعم بالتوتر في علاقاته سواء إزاء من خانوه : نبوية، عليش، رؤوف ... أو من أحبوه : نور، طرزان.. أو إزاء الواقع. ويعاني سعيد مھران من تمزق نفسي و صراع داخلي نتيجة الخيانة الثلاثية الأطراف: نبوية و عليش و رؤوف. مما حدا بالكاتب إلى اعتماد تقنية الاسترجاع ليقربنا من نفسيته، فھو يركز على طفولته و مراھقته و شبابه، و علاقته بأسرته و أصدقائه، و كذا بالشيخ علي الجنيدي، صديق والده، مما يساعد في فھم أعمق لأزمة سعيد مھران، التي ھي إفراز لھذه التحولات الاجتماعية الطارئة و غير السليمة، مما جعله يشعر بالغربة والتوتر، و لا يتلاءم مع الواقع الذي يعيش فيه، لأنه تحت سيطرة الانتھازيين و الخونة الذين يجب استئصالھم حتى تستمر الحياة طبيعية، ينعم فيھا الإنسان بالرخاء. 
ب- العلاقات العاطفية : 
- علاقة الحب: تجمع بين سعيد مھران و كل من : 
* نبوية و عليش و رؤوف في مرحلة ما قبل اكتشاف خيانتھم . 
* نور التي أحبته ثم آوته بعد خروجه من السجن و خيانة زوجه له. 
* سناء ابنته التي لم تتعرف عليه بعد خروجه من السجن. 
* طرزان الذي أھداه مسدسا لينتقم به من أعدائه، و مده بأخبارھم . 
- علاقة الكراھية والاحتقار: تجمع بين سعيد و كل من نبوية و عليش و رؤوف في مرحلة ما بعد اكتشاف خيانتھم، حيث غدا سعيد يكرھھم جميعا لأنھم خانوه كل بطريقته، ويسعى للانتقام منھم استردادا لمعنى الحياة البسيطة التي يحلم بھا 
- علاقة الاحترام: تجمع بين سعيد مھران و علي الجنيدي الشيخ المتصوف، صديق والده، رغم اختلاف مذھب كل منھما في الحياة، و كونھما لا يلتقيان في طبيعة رؤية كل منھما لھا . 
- علاقة التواصل: تجمع بين سعيد والقيم التي آمن بھا و عمل لأجلھا، و الفضاءات التي ارتبط بھا بوشائج قوية مثل مقھى " طرزان " التي شكلت أحد فضاءاته المحببة قبل المطاردة و أحد متنفساته و ملاذاته في فترة المطاردة
ج- التيمات السيكولوجية
تكشف رواية " اللص و الكلاب " عن مجموعة من التيمات السيكولوجية، نذكر منھا :
- تيمة الحب: " سأجد عملا أوفر ربحا، و أنا أحبك، لا تنسيني أبدا، أنا أحبك و سأحبك دائما..."ص91، وھي من التيمات المركزية التي تؤدي إلى تحريك الأحداث في الرواية، فالحب الذي كان يحمله سعيد مھران كان يسع الجميع، كان يسع نبوية و سناء وعليش و رؤوف و الفئات الفقيرة التي سرق من أجل أن تحظى بعدالة اجتماعية تتقاسم من خلالھا خيرات الوطن مع الأغنياء. ولشدة ھذا الحب ستكون الخيبة مدمرة و قاسية على سعيد مھران، وستنجم عنھا وضعيات مأساوية تتمظھر في تيمات
- تيمة الخيانة: " آن... للخونة أن ييأسوا حتى الموت، و للخيانة أن تكفر عن سحنتھا الشائھة"(ص7)، " تلك المرأة النابتة في طينة نتنة اسمھا الخيانة"(ص8). " أ نسيت يا عليش كيف كنت تتمسح في ساقي كالكلب؟"(ص8)، " ھذا ھو رؤوف علوان، الحقيقة العارية، جثة عفنة لا يواريھا تراب. أما الاخر فقد مضى كأمس أو كأول يوم في التاريخ أو كحب نبوية، أو كولاء عليش."(ص37)، " خيانة لئيمة لو َاندك المقطم عليھا دّكاً ما ُشفَيت نفسي"(ص37)، ھذه مقاطع من الرواية تبرز محورية تيمة الخيانة فيھا و التي كان أثرھا مدمرا في نفسية و حياة سعيد مھران، فلم يقبل بھذه الخيانة ، و سعى إلى استرداد شرفه الضائع، ليسترد معنى الحياة، لكن كان لزاما عليه أن يخوض صراعا ضد الخونة، أن يقتلھم ليخلص البشرية منھم، و ھو في سعيه ھذا يرى في نفسه رمزا للكثير من البسطاء الذين عانوا الخيانة مثله لكنھم عاجزون عن التحدي و المقاومة .
- تيمة الظلم: " مرة أخرى يتنفس الحرية، و لكن الجو غبار خانق حر لايطاق... ولاشفة تفتر عن ابتسامة.. و ھو بھذا واحد، خسر الكثير، حتى الأعوام الغالية خسر منھا أربعة غدرا."(ص7). بهذا تفتتح الرواية فنكتشف أن سعيد مھران يعاني مرارة الظلم، و سبب الظلم ما سبقت الإشارة إليه. لكن سعيد مھران ليس ھو الوحيد الذي يعاني الظلم فھناك نور أيضا التي تحمل قلبا كبيرا يسع طريدا مثل دسعي مھران، لكنھا تعيش حياة الليل و الاحتقار و الذل، دون أن تجد ما أو من يوفيھا بعضا من كرامة مھدورة . 
- تيمة الاغتراب: " .. و ھو واحد.."(ص7)، " لا تؤاخذني، لا مكان لي في الدنيا إلا بيتك" (ص19)، يعاني سعيد مرارة الاغتراب وسط مجتمعه، فھو يشعر بأنه وحيد في ھذا العالم، خاصة مع تعرضه لخيانة أقرب الناس إليه : امرأته و صديقه و ُمعلمه. و تقاسمه نور ھذا الشعور بالاغتراب إذ تحس أنھا ضائعة بلا قيمة في ھذا العالم.
د- الدلالات والابعاد النفسية للنص
اعتمادا على العناصر النفسية المتعددة السابقة، يمكننا أن نستجلي الدلالات و الأبعاد النفسية التالية للنص :
سعى نجيب محفوظ، من خلال تركيزه على شخصية سعيد مھران إلى كشف التحولات الصعبة التي عاشھا المجتمع المصري مع ثورة الضباط الأحرار ( 1952)، وإلى تداعياتھا على نفسية الأفراد.  
- رغبة الكاتب في التحذير من فئة انتھازية ركبت الثورة لتحقق أھدافھا و تتحول إلى قطط سمان تقتات على بؤس الفئات العريضة من المجتمع . 
- ھدف نجيب كذلك إلى التنبيه من خيبة الأمل التي تحس بھا فئة عريضة ممن أيدوا الثورة و حملوا قيمھا و آمنوا بشعاراتھا لكن آمالھم خابت فشرعوا في التمرد على المجتمع.
🔺تحديد اللغة والأسلوب
 ننظر ھنا في أسلوب المؤلف السردي و َتبين نوعه، و ذلك انطلاقا من تأمل الطريقة التي يستعمل بھا النص اللغة، والكشف عن عملية الانتقاء التي ُيمارسھا، تعرف المصادر التعبيرية التي ينھل منھا، والكشف عن المعايير المتحكمة في النص، و الانتقاءات التي يقوم بھا، و علاقة الأسلوب بأھداف النص و بالقارئ. وقصد انجاز دراسة ھذا المنظور يمكن اتباع خطوات منھا: أ- طبيعة اللغة ومستوياتھا. ب - الأسلوب ورھانات النص 
أ- طبيعة اللغة ومستوياتھا
يتميز أسلوب نجيب محفوظ في رواية اللص والكلاب بالاقتراب من لغة البساطة والوضوح والدقة في الوصف دونما اھتمام بالمحسنات البديعية، مراعاة للغة العصر التي تأثرت بلغة الصحافة والطباعة وبالمثاقفة، كما تقترب من لغة الحياة اليومية من خلال اعتماد لغة حية لھا علاقة بالشارع المصري، بھذا يؤسس نجيب محفوظ لتجربة جديدة تمزج بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية في محاولة لسبر أغوار الإنسان العربي وكشف ھمومه النفسية والاجتماعية. وتكشف لغة الرواية عن مجالات لغوية متعددة تتحدثھا شخصيات الرواية، يمكن أن نذكر منھا ما يلي : 
لغة الرفض و السخط: ھي لغة سعيد مھران 
لغة التبرير: و تتكلمھا الشخصيات التي خانت سعيد و خلقت واقعا جديدا يلائم مصالحھا 
لغة المرارة و الوحدة: تتكلمھا نور في لحظات كثيرة داخل الرواية و يقاسمھا إياھا سعيد أحيانا
لغة الزھد و الانطواء: ھي التي يتحدثھا علي الجنيدي 
لغة الوفاء: ھي التي يتكلمھا كل من طرزان و نور 
لغة الخيانة : ھي التي تميز لغة كل من رؤوف علوان و عليش سدرة و نبوية
 كما تتميز لغة الرواية بتداخل خيوط السرد، الذي يتداخل فيه صوت الكاتب بصوت السارد والشخصية، الشيء الذي يؤكد بأن الكاتب قد سرد الأحداث بالاعتماد على وضعيات سردية متعددة، من أجل الإحاطة بھموم الشخصية من كل جوانبھا، كما تتميز اللغة كذلك باعتماد حقول معجمية كثيرة " حقل الحرية، حقل الموت، حقل الدين، حقل الجسد، حقل السجن، ...." وباعتماد لغة الوصف " وصف الشخصيات، الأماكن.." واعتماد الحوار بنوعيه الخارجي والداخلي 
ب - الأسلوب ورھانات النص
ان الأسلوب الذي يتبناه النص له علاقة بالرھانات التي يسعى إلى تحقيقھا، ذلك أن الكتابة عن الخيانة و الاغتراب و الوحدة التي يشعر بھا الإنسان في المجتمعات العربية، و المجتمع المصري على الخصوص، تتجاوز عند الكاتب حدود الارتباط بالشخصية الروائية للإيھام بواقعية الأحداث، لتحاول البحث عن الطرائق الفنية الكفيلة بخدمة المضمون .

⏪ القراءة التركيبية

   تعتبر " اللص والكلاب" رواية الواقعية النقدية، فھي تشخص بعمق مشاكل الفرد في مجتمع تلاشت فيه القيم النبيلة، وساده الظلم والفساد، ھذه الرؤية المأساوية التي عبر عنھا نجيب محفوظ في ھذه الرواية تستخلص من خلال مسار البطل الفردي. وإن الإصغاء لمشاكله ومعاناته مع الذين خانوه يعكس أزمته الداخلية، وھي أزمة تضعه في خانة البطل الإشكالي، الذي يطمح إلى بعث القيم النبيلة في مجتمع يفتقد إليھا نتيجة ما يعانيه من تشيؤ. إن الواقعية النقدية والرمزية التي تندرج ضمنھا ھذه الرواية تظھر من خلال ارتباط النص بأزمة الفرد؛ لذلك لا تكمن الأھمية فيھا في التعبير عن الواقع وإنما في استبطان الحياة الداخلية، وتلمس المعاناة التي يعيشھا الفرد في المجتمع . 

 ونجد نجيب محفوظ يعطي الأولوية لشخصية البطل، أما الاھتمام بالشخصيات الأخرى فبقدر علاقتھا بالبطل، ودورھا في الكشف عن نمو الأحداث وتطورھا. وقد لا حظنا أن مختلف مكونات الرواية: الأزمنة، الفضاءات، تشتغل بقوة من أجل التعبير عن الشخصية وجعلھا واضحة المعالم كما رسمھا المؤلف. لذلك ليس غريبا أن ينحو نجيب محفوظ منحى خاصا في التعامل مع ھذه المكونات فالوصف المرتبط بالأمكنة لا يحضر بتلك الكثافة إلا في علاقته بالشخصية، وكذلك الزمن، فالروائي لا يھتم بالزمن الطبيعي بقدر اھتمامه بالزمن النفسي الذي يظھر على شكل معاناة وآھات لا حد لھا. وقد نوع الروائي كذلك من تقنيات السرد والتداخل بين السارد والشخصية ومزج الأزمنة وإحداث تداخل بينھا عن طريق الاسترجاع والاستباق، فضلا عن تسريع وتيرة السرد بالاستفادة من تلخيص الأحداث وحذف بعضھا. أما الحوارات فقد تنوعت أساليبھا إلى حوارات داخلية وأخرى خارجية أضاءت موقف الشخصيات ومنظورھا إزاء ما يواجھھا في العالم الذي تعيش فيه .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -